إنهم يتزوجون الوظيفة
عباس عبدالحليم عباس
<أزواج بالكذب>كتاب يعالج مشكلة اجتماعية مؤرقة، رأى المؤلف الدكتور عبدالله الرحيلي، الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود، أنها تفضح الأزواج الذين انحرف تفكيرهم عن جادة الصواب حين راحوا يبحثون عن زوجة أهم ما فيها أن تكون موظفة، ليضعها الزوج في بيته، ويستولي على راتبها من دون أن يشعر بأي غضاضة أو حياء، ومن دون أن يحسب حسابا لرضى الزوجة، أو أهلها، أو مشاعرهم، بل يدعي أن هذا من حقه مع أنه واقع في أكل ما حرَّمه الله من أموال بغير وطيب نفس، ذلك أن الزوج الشهم لا يحل لنفسه أخذ شيء من مال زوجته إلا بالمعروف، وطيب نفس·
زوجة مكسورة الجناح
لقد تضخمت هذه المشكلة في مجتمعاتنا وصارت عبئاً يثقل كاهل كثير من الأسر المسلمة، حتى غدت الحياة بين الزوجين حياة مادية تقوم على المصلحة الآنية، لا المحبة والمودة وخفض الجناح· فأي حب هذا الذي يتبقى، وأي احترام هذا الذي يدوم بين زوج متسلط وزوجة مكسورة الجناح مكرهة على دفع راتبها، وأجر معاناتها اليومية لامرئ لا يراعي الله فيها، بل يرى أن ذلك حق قوامته عليها؟!
إن هذه الصورة في نظر الباحث صورة مخزية، والأشد خزياً موقف ذلك الزوج الذي يدَّعي الشهامة فيرفع يده عن راتب زوجته شرط أن تنفق على نفسها بنفسها، بل يجبرها أحياناً على مشاطرته نفقة البيت، أو دفع إيجاره·
ويعجب المؤلف كيف فهم هؤلاء (حق القوامة)؟! وهو الحق الذي شرعه الله سبحانه لسعادة الأسرة وضبط أمورها لا لظلم الزوجة واغتصاب حقوقها، بحيث يتحول العقد ـ هنا ـ من عقد زواج إلى عقد تجاري بغيض، وكي يضع الباحث المشكلة في إطارها الشرعي، راح يرصد عدداً كبيراً من نصوص القرآن الكريم والسنَّة المطهرة، مما يفضح هذا الظلم، ويكشف وخامة عاقبته، ومنها قوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) البقرة:188· وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (ليس يحل لمسلم من أخيه شيء إلا ما أحل من نفسه) وغير ذلك كثير·
إجراءات علاجية
وبعد ذلك ذهب الدكتور الرحيلي يحدد عدداً من الإجراءات العلاجية لهذه المشكلة، وأولها <الإجراء الوقائي>المتمثل بتقصي حقيقة الرجل الذي يتقدم للزواج بالفتاة، ومعرفة هدفه وغايته من خلال تفحص سيرته والنظر في أقواله وطبيعة تفكيره·
ثم ننتقل إلى دائرة الزوج نفسه كخطوة ثانية، فبحثه المؤلف على تقوى الله، واستغفاره من هذا الظلم ـ إن فعل ـ والعودة عن هذا العدوان، وليعلم أن الله أقدر عليه من قدرته على زوجته· والدائرة الثالثة لدى المؤلف تتمثل في قيام المظلوم بنفسه برفض الظلم الواقع عليه، فعلى الزوجة مطالبة زوجها بكف عدوانه بالتي هي أحسن وإلا تشكوه· ثم توثق حقوقها ولنتذكر أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب·
أما المجتمع فله دوره المهم في حل المشكلة، فعلى أولياء الأمور توخي الدقة في اختيار الزوج، وعليهم مراعاة الله في تربية أبنائهم فلا يسمحوا لهم بممارسة الظلم والعدوان، وإن حدث شيء من ذلك تدخل الحكماء من الأقارب لإظهار الحق وإبطال الباطل·
إن أقارب الزوج يتحملون جزءاً من المسؤولية في نصرة الحق· وكذلك على الدولة وولاة الأمر تحسس هذه الظلمات، وسن القوانين الرادعة لكل من يتورط في ظلم زوجته واغتصاب حقوقها·
حسابات مادية
ويربط المؤلف بهذه المشكلة مشكلة مماثلة لدى الآباء الذين لا يتقون الله عزَّ وجل، فحولوا عاطفة الأبوة، والمودة، والرحمة تجاه بناتهم إلى الحسابات المادية الجائرة، من خلال تأخير زواجهن لاستغلال مرتباتهن أقصى ما يمكن، متحججين ببعض المعاذير التي لا تنضوي على ذي لب، ومستشهدين بنصوص في غير مواضعها مثل (أنت ومالك لأبيك)، متناسين أن ما استباح لنفسه شيئاً من الظلم متحججاً بشيء من شرع الله فقد كذب على الله سبحانه، فماذا ينفع اللئيم إذا قدم على ربه بقلب غير سليم؟، وقد ظلم العيال والحريم؟!
وبما أن المشكلة ذات تشعبات كثيرة، وظلال ممتدة، حدد المؤلف بعض المخاوف التي تبدو كتساؤلات في ذهن القارئ نتيجة المواجهة والصدام مع أطراف هذه المشكلة وعلى رأسها الطلاق ومصير الأولاد، ونظرة المجتمع ولومه·
وهنا يرى الباحث أنه لا بأس من التفكير بهذه المخاوف شرط ألا تكون حائلاً للإنسان من دون مباشرة الأسباب التي شرعها الله لعباده للخروج من مثل هذه المظالم، كما أن الإنسان ينبغي أن يعلم أن التفكير الصحيح ليس حراماً، بل هو الواجب مهما كانت النتائج، ومعنى هذا أن المؤلف لا يدعو إلى الطلاق، إنما إلى النظر في كل الحلول، وعدم استبعاد التوجه إلى الانفصال إذا كان هو الحل الأمثل أو المتعين في حال ما، وإلا فما الحكمة من تشريع الله للطلاق، أو الفسخ، إذا كان علاجاً حازماً ولا علاج غيره·
ولا ننسى أن الشرع أباح للزوجة المظلومة أن تسعى لدى القاضي بالفسخ فتكون هي التي تركته وليس العكس، وفي هذا شرف لها لا منقصة كما يفهمها بعض الجاهلين·
قصص واقعية
ومن أجل وضع المشكلة في إطار واقعها الاجتماعي ساق لنا المؤلف ثماني قصص واقعية تكشف الصور المأساوية الناجمة عن هذه المشكلة ويستعرض آراء العديد من أهل الاختصاص من قضاة ومحامين في تلك القصص، ثم يعقب المؤلف بنظرة ثاقبة وعميقة تدل على تفكير سليم، وفهم للأمور على حقيقتها، فيرى أن الظلم ليس مدعاة لفرح الظالم بما ظن أنه غنيمة، فلا يظن أنه بمنجاة من عذاب الله سبحانه وتعالى· فكم انقلبت الحال فأصبح الظالم في مأساة، وأصبح المظلوم في منجاة (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) الطلاق:2، ويقر المؤلف بأهمية الصبر ودعوة الزوجة أن تصبر وتحتسب، لكن هذا ليس على إطلاقه، إذ ينبغي ألا ندس رؤوسنا في التراب وندعي السلامة، بل علينا أن نضع الأمور في مواضعها، فالظلم محرَّم مطلقاً، وإن من اختار الصبر في غير موضعه فعليه أن يصبر على اختيار نفسه لا على حكم الله وشرعه·
وقبل الخاتمة يدعو الدكتور الرحيلي الزوجة إلى توخي رضى الله سبحانه، والبعد عن ظلم أهله وعياله، وكذلك يدعوها هي وولي أمرها إلى اتباع أوامر الله سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام، فكما أنكم لا ترضون الظلم من الزوج فكذلك لا يجوز لكم أن تظلموه وإن كان ظالماً، وإلا فإن من عقوبة الله سبحانه أن يسلط الظالم على الظالم، (وما يعلم جنود ربك إلا هو) المدثر:31·
واجب الدين والخلق
ويختم الباحث الدكتور الرحيلي بحثه بتوضيح خطورة هذه الظاهرة في مجتمعاتنا المسلمة، ويؤكد على ضرورة تضافر الجهود لحلها الحل الأمثل، والدعوة إلى الصبر، ثم التفكير في كل الحلول السليمة ومراعاة تطبيق شرع الله·
وينبه أيضاً إلى أن الظلم ربما يقع من الزوجات وذويهن، فينبغي التنبه لذلك ورفض الظلم والعدوان، ممن كان وكيفما كان·
وأخيراً، فإن هذا الكتاب دعوة لكل من الظالم والمظلوم للأخذ بما يمليه عليهم واجب الدين والخلق، وحق الصحبة والمعاشرة الإنسانية الصادقة، وتمليه عليهم الصفات التي لم ينحرف بفطرتها هوى أو طبع رديء، أو جشع أو تكالب على الدنيا ونسيان الآخرة، والوقوف بين يدي الله الذي إليه المصير·