غزة- وهـو يمـر من أمام مسـجد خلفاء الراشدين بمخيم جباليا شمال قطـاع غـزة لم يتمالك الشـاب "عماد" نفسـه وأخذ يبكـي بحرارةٍ انتفض على إثرها كامل جسـده.. عمـاد الذي كان دائم المرور من ذاك المكان لم ينتابه شعور الحزن هذا إلا مع اقتراب نسائم شهـر رمضان المبارك ونفحاته إذ وقف عاجزا عن الحراك وهـو يتخيل قدوم أول رمضان وقد غاب عن المسجد صـوته الندي.
وبينمـا عبراته تبلل وجنتيه قال عماد (25 عاما) لـ"إسلام أون لاين.نت": "ما إن مررت اليوم من جوار مسجدنا (الخلفاء الراشدين) حتى غمرتني مشاعر الألم على رحيل من كان يجعل رمضان رائعًا بكل ساعاته ودقائقه، لقد بكيت رجل هذا الشهر ولا أدري كيف سنحتمل فراقه؟!".
ما أصعب الفراق!
هذا العزيز الذي يبكيه عماد وسكان جباليا لم يكن سـوى الدكتور "نزار ريان" القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والذي اغتالته الطائرات الحربية في سادس أيام الحرب الإسرائيلية بقصفٍ استهدف منزله ما أسفر عن استشهاده وزوجاته الأربع و9 من أبنائه.
وكانت إسرائيل قد شنت عدوانا على غـزة ما بين 27 ديسمبر و18 يناير الماضيين وأسفرت عن استشهاد نحو 1420 فلسطينيا، وجرح أكثر من 5450 آخرين، وتدمير نحو 16 ألف منزل.
وعلى قطعةٍ مجاورة للمسـجد اتخذها المصلون مسجدًا لهم إثر قصف الاحتلال لجامعهم وتدميره بعد وقت قصير من اغتيال ريان جلس عشرات الشبان والرجال يذرفون دموعهم وهم يتذكرون شيخهم الذي لم يكن يفارقهم في أيام رمضـان.
أبو حمزة (54 عاما) قال لـ"إسلام أون لاين.نت" بصوتٍ مجروح: "الآن فقط شعرنا بحجم مرارة فراق شيخنا أبو بلال (نزار ريان).. أيام معدودة تفصلنا عن شهرٍ كان هو قائده.. سنحن إلى صوته الجميل.. ندواته.. وفي صلاة التراويح سنبكيه طويلا".
وحين يعجز الحاج أبو علي عبد ربه عن تخيل رمضان دون دخول ريان المسجد مسلما مبتسما يترك العنان لدموعه الغزيرة ومن بينها يمضي قائلا: "ما أصعب فراق شيخنا على قلوبنا.. كيف ستمر العشر الأواخر دونه.. سنشتاق إلى صوته وعذب حديثه".
شيـخ الاعتكاف
"بـراء ريان" ابن الدكتور الشهيد كان حزنه مُضاعفًا فشهر رمضان سيجدد جراحه وسيستدرج دموعه على رحيل الأب وغياب الشيخ.
بصوتٍ دامع قال براء لـ"إسلام أون لاين.نت": "رواد مسجد الخلفاء الراشدين ومساجد جباليا والعديد من مساجد القطاع ستبكي أبي؛ لأنه خلف فراغا كبيرا من الصعب نسيانه، المصلون دونه أيتام فقدوا حنان والدهم وفقدوا شيخ الاعتكاف".
يتابع براء: "حكاية أبي مع المساجد طويلة.. وحضوره القوي سيجبر المصلين على تذكره بحزنٍ كبير.. لن يكون رمضان هذا العام سهلاً عليهم.. كان أبي رحمه الله ما إن يثبت هلال الشهر حتى يذهب للمسجد ليهنأ الناس بقدومه ويجلس مع المصلين يحدثهم عن فضل رمضان وكيفية استثماره.. كان لا يغيب عنهم في كل صلاة تراويح.. يعقد الندوات والخطب الدينية.. وينصت له الحضور بكل اهتمام وحب".
ويؤكد براء أن للشيخ ريان برنامجا خاصا وفريدا في رمضان يستقيه من سنن الرسول عليه الصلاة والسلام في التعامل مع هذا الشهر الفضيل وأضاف: "لأبي كاريزما دعوية كما كان يتمتع بـكاريزما قيادية.. هو أول من أحيا سنة الاعتكاف في العشر الأواخر، أخبرني أنه خرج للعمرة عام 1994 فمنعه الاحتلال فذهب لمسجد الخلفاء واعتكف وحده هناك وكان قدوة لمن حوله، لتنتشر بعدها هذه السنة في جميع مساجد القطاع".
كان يقول..
وفي رمضان يؤكد براء أن الشيخ ريان كان يحذر الصائمين من التلفاز وكيف أنه أفضل وأسرع وسيلة لتضييع ثواب رمضان واستدرك: "كان يقول لنا ولرواد المساجد.. لا تفصلوا الجهاز؛ لأنكم ستعيدون تشغيله.. بل ارفعوه من أمامكم".
ويتميز الدكتور نزار أستاذ علوم الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية، وأحد كبار علماء حركة "حماس" بشعبية كبيرة في صفوف الفلسطينيين وازداد التفاف الجماهير حوله عقب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000؛ لجرأته في تحدي جيش الاحتلال حتى في أشد الاجتياحات العسكرية الإسرائيلية.
وبالرغم من التحاقه بالعمل العسكري ومشاركته في تدريب كوادر القسام، لكنه لم ينس دوره كداعية خاصة في شهر رمضان وإسهامه في حث الصائمين على الاستثمار الجيد لأوقاته.